|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
09-04-2018, 02:28 PM | #1 | |
|
الآن سأطلق رصاصة !
يعقوب الريامي
3-2018م . في الحافلة التي تقلنا إلى المواقع السياحية في دولة البوسنة والهرسك أعلمنا المرشد أن طريقنا سيستغرق أكثر من ساعتين للوصول إلى الموقع القادم . هذا الوقت الطويل أستثار قلقي من أن يطعننا الضجر بمخلبه ، فدفعني إلى عصف ذهني لعلي أجد ما أزجي تلك الساعات فيما تنفع إلى أن تفتق عقلي إلى فكرة سرعان ما طرحتها قبل أن تذروها رياح التسويف والنسيان . دعوت زملاء الرحلة عن طريق مبكر الصوت إلى تنظيم برنامج ترفيهي يقوم على فتح باب المشاركات سواء ألقاء الشعر ، أنشاد ، قصة هادفة ، موهبة أو مسابقة .... . لاقت فكرتي ترحيبا لائقا من الجميع ، عندها قام أحدهم بترجمة كلامي إلى المرشد البوسني المسلم الذي يتواصل معنا باللغة الإنجليزية . أبدي المرشد البوسني أعجابا بفكرة البرنامج حتى أنه طلب أن يكون أول المشاركين بسرد قصة حقيقة كان شاهدا على تفاصيلها . الحق أن وقفة المرشد البوسني أمامنا بطوله الفارع وبنيته الجسدية الهائلة سحبت حواسنا اتجاهه فجعلتنا في حالة أنتباه وترقب لما سيحدثنا عنه . ظل صامتا ينقب في تجاويف ذاكرته عن خيوط الماضي لينسج منها ثوب حكاية شيقة . قطع صمته بأن رفع حاجبيه عاليا وقال : الصرب حين أعمتهم النعرة القومية خرجوا من جحورهم كالضباع الجائعة متجهين نحو البوسنة تحت مخطط بضم 67 % من أراضيها إلى صربيا الكبرى التي نصبت نفسها الوريث الشرعي للأتحاد اليوغسلافي الذي أنفك عقده على أثر سقوط الأتحاد السوفيتي عام 1991م ذو المنضومة الشوعية المشتركة بينهما . تحرك الجنود الصرب بأمر من رئيسهم سلوبودان ميلفوفيتش إلى البوسنة ذات الأغلبية المسلمة في حرب دموية أمتدت من 1992 إلى 1995م أنتهت بأتفاق دايتون لوقف الحرب تحت رعاية امريكية و قوات حفظ السلام الدولية . كنت صغيرا وقت بدء الحرب المشؤومة ، أتذكر حين هجمت القوات الصربية قريتنا فحاصرتها ثم أجبرت جميع الأهالي الخروج من منازلهم وتجميعهم في مكان فسيح ، بعدها أمرت بعزل الرجال لوحدهم عن النساء والأطفال . هنا تعالى عويل النساء بعد فراق الأزواج ، وارتفع بكاء الأطفال الذي أحدث جلبة جعلتنا نعيش ظلمات بعضها فوق بعض ، كنا نتوجس خيفة مما سيقرره الصرب الأجلاف في حقنا ، هل سنتعرض لأعدام جماعي مثل المجازر التي حدثت لمن سبقونا أم يتركونا في العراء تفتك بنا مخمصة لا ترحم . في هذا الوقت العصيب ظهر مقاتل صربي ملثم الوجه لا يظهر منه سوى عينيه ، والقصد من ذلك أخفاء هويته لأن الكثير من الصرب الذين شاركوا في الحرب ضدنا هم في الأصل من سكان البوسنة ممن كانوا يعيشون معنا ، حتى أني تأكدت لاحقا أن معلمي الصربي في المدرسة أنقلب علينا ورفع السلاح في نحورنا حين بدأت الحرب ، لقد عرفته من نبرة صوته بالرغم من القناع الذي يستره . المقاتل الصربي الملثم صعقنا بنظراته الحارقة التي أرسلها نحو مجموعة الرجال ، بعدها أشار بيده إلى أبي أن يأتي إليه ثم أومئ إلى زملائه الجنود أنه سيتولى التخلص منه ، أي أن أبي ذهب ليلقى حتفه على يد الصربي . أعترت أبي رجفة الموت ، فانقاد كالحمل الوديع إلى مصيره المحتوم . أخذ الصربي أبي إلى خلف صخرة كبيرة أختفوا بها عن أعين الجميع ، وفيها سيقدم على أعدام أبي بطلقة واحدة من بندقيته . حين تواجه الأثنان خلف الصخرة خلع المقاتل الصربي لثامه فانكشف وجهه تماما وظل ينظر إلى أبي بنظرات مبهمة ، كان أبي في هذه اللحظات يعد أنفاسه الأخيرة وتكاد تخنقه رائحة الموت التي بدأت تفوح حينها . قال الصربي لأبي : - هل تعرفني ?! . أجاب أبي بعد أن تفحص ملامحه مليا : - يبدو أنني لا أعرفك .. من أنت ? - رد الصربي بصوت خفيض : أنت رجل صالح وكريم ، تعطي الناس بلا مقابل ، تتصدق بسخاء ، يدك مبسوطة دائما . أنا أعمل في محطة وقود السيارات ، عندما تأتي إلى المحطة كنت دائما تعطيني وغيري شيئا من مالك حبا للخير ، كنت في كل مرة تضع في يدي بعض النقود ، كنت تدفع لي من المال الذي تحسبه قليلا لكن بالنسبة لي هو الشيء الكثير لأني في أمس الحاجة إليه ، لا بد أن أكافئك اليوم ، سأنقذك روحك ، سأمنحك حياة جديدة جزاء معروفك ، الآن سأطلق رصاصة في الهواء ليظن زملائي أني قتلتك ، بعدها تجري مسرعا إلى تلك السيارة الواقفة على جانب الشارع - أشار إليها بأصبعه - ثم تجلس فيها إلى أن أحضر إليك زوجتك وأطفالك ! . تجمدت ملامح أبي ما بين مصدق لكلامه وبين مكيدة يحملها صربي حقود . وفى الصربي بوعده ، فقد دوت صوت رصاصة طائشة نحو السماء ، بعدها انطلق أبي يعدو نحو السيارة يحمل روحه بين كفيه ناجيا من موت كان يتربص به . بعد فترة قصيرة توجهت أنا وأمي وأخوتي بتدبير المقاتل الصربي إلى أبي الذي ينتظرنا في ذات السيارة التي حملتنا إلى قرية آمنة . والحمدلله أن جنبنا الله المكروه . بعد عدة شهور اضطررنا البقاء في مخيمات اللاجئين ، فقد أمست المدن البوسنية ساحة حرب لا تصلح للأقامة فيها . فتح لي القدر بابه الحسن بأن اختارتني منظمة دولية تهتم بشؤون اللاجئين بأرسالي إلى تركيا لمواصلة دراستي النظامية ثم الجامعية . رجعت إلى البوسنة بعد تسعة سنوات وأنا أحمل شهادة هندسة زراعية ، أما أبي وأمي وأخوتي فقد نزحوا إلى ألمانيا ثم عادوا بعد أن ألقت الحرب أوزارها ، فاجتمع شملنا بعد فراق طويل . والحمدلله أولا وآخرا . 🌟 🌟 🌟 إلى هنا انتهت حكاية المرشد البوسني ، الذي زادني يقينا أن الصدقة - الأنفاق في وجوه الخير - التبرع بالمال لمساعدة المحتاجين أو دعم الأعمال الخيرية في المجتمع ، كلها أعمال لها أجر عظيم يدخره الله لك على أشكال متعددة سواء : حسنات تكتب في صحائف أعمالك - بركة في مالك - يرد عنك مصيبة ، يجلب لك خير - توفيق في طموحاتك - سعادة تلامس شغاف قلبك . لا شك أن الحكمة القائلة : " صنائع المعروف تقي مصارع السوء " تلخص كل شيء . إذن تصدقوا .. أنفقوا .. تبرعوا .. أعطوا ، ولا تستحوا من إعطى القليل فالحرمان أقل منه . :: المصدر: منتديات رغد الشمال - من قسم: قطآف عآمه / مآذآ : يُحكَى سلَفآ ‘ hgNk sH'gr vwhwm ! vwhwm |
|
|
الكلمات الدلالية (Tags) |
الآن, رصاصة, سأطلق |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
غزة الآن .. تقارير متجددة | مُزُنْ | قطآف عآمه / مآذآ : يُحكَى سلَفآ ‘ | 29 | 10-10-2014 04:55 PM |
تطبيق واتس آب الآن مجاناً | العمر راح | - صَخب آلجوآل | 4 | 16-01-2013 09:49 PM |
هلْ تعلم من هو الآن ؟ | Mohand al7arbi | قطآف عآمه / مآذآ : يُحكَى سلَفآ ‘ | 6 | 04-09-2012 01:50 AM |
بمـاذا تفكر الآن ,,! | بآرك جي سونج | قطآف عآمه / مآذآ : يُحكَى سلَفآ ‘ | 67 | 17-07-2012 04:16 AM |
أربعيني يسلّم نفسه بعد إطلاق 32 رصاصة في حائل | مَرٿ س̭نھہ | قطآف عآمه / مآذآ : يُحكَى سلَفآ ‘ | 1 | 17-07-2012 12:33 AM |