عرض مشاركة واحدة
قديم 09-04-2018, 02:28 PM   #1
пαнεɔ



الصورة الرمزية пαнεɔ
пαнεɔ غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1579
 تاريخ التسجيل :  Aug 2014
 أخر زيارة : 19-04-2024 (05:45 PM)
 المشاركات : 52,324 [ + ]
 التقييم :  2147483647
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي الآن سأطلق رصاصة !



يعقوب الريامي
‎3-2018م .

‎في الحافلة التي تقلنا إلى المواقع السياحية في دولة البوسنة والهرسك أعلمنا المرشد أن طريقنا سيستغرق أكثر من ساعتين للوصول إلى الموقع القادم .

‎هذا الوقت الطويل أستثار قلقي من أن يطعننا الضجر بمخلبه ، فدفعني إلى عصف ذهني لعلي أجد ما أزجي تلك الساعات فيما تنفع إلى أن تفتق عقلي إلى فكرة سرعان ما طرحتها قبل أن تذروها رياح التسويف والنسيان .

‎دعوت زملاء الرحلة عن طريق مبكر الصوت إلى تنظيم برنامج ترفيهي يقوم على فتح باب المشاركات سواء ألقاء الشعر ، أنشاد ، قصة هادفة ، موهبة أو مسابقة .... .
‎لاقت فكرتي ترحيبا لائقا من الجميع ، عندها قام أحدهم بترجمة كلامي إلى المرشد البوسني المسلم الذي يتواصل معنا باللغة الإنجليزية .

‎أبدي المرشد البوسني أعجابا بفكرة البرنامج حتى أنه طلب أن يكون أول المشاركين بسرد قصة حقيقة كان شاهدا على تفاصيلها .

‎الحق أن وقفة المرشد البوسني أمامنا بطوله الفارع وبنيته الجسدية الهائلة سحبت حواسنا اتجاهه فجعلتنا في حالة أنتباه وترقب لما سيحدثنا عنه .

‎ظل صامتا ينقب في تجاويف ذاكرته عن خيوط الماضي لينسج منها ثوب حكاية شيقة . قطع صمته بأن رفع حاجبيه عاليا وقال :

‎الصرب حين أعمتهم النعرة القومية خرجوا من جحورهم كالضباع الجائعة متجهين نحو البوسنة تحت مخطط بضم 67 % من أراضيها إلى صربيا الكبرى التي نصبت نفسها الوريث الشرعي للأتحاد اليوغسلافي الذي أنفك عقده على أثر سقوط الأتحاد السوفيتي عام 1991م ذو المنضومة الشوعية المشتركة بينهما .

‎تحرك الجنود الصرب بأمر من رئيسهم سلوبودان ميلفوفيتش إلى البوسنة ذات الأغلبية المسلمة في حرب دموية أمتدت من 1992 إلى 1995م أنتهت بأتفاق دايتون لوقف الحرب تحت رعاية امريكية و قوات حفظ السلام الدولية .

‎كنت صغيرا وقت بدء الحرب المشؤومة ، أتذكر حين هجمت القوات الصربية قريتنا فحاصرتها ثم أجبرت جميع الأهالي الخروج من منازلهم وتجميعهم في مكان فسيح ، بعدها أمرت بعزل الرجال لوحدهم عن النساء والأطفال .

‎هنا تعالى عويل النساء بعد فراق الأزواج ، وارتفع بكاء الأطفال الذي أحدث جلبة جعلتنا نعيش ظلمات بعضها فوق بعض ، كنا نتوجس خيفة مما سيقرره الصرب الأجلاف في حقنا ، هل سنتعرض لأعدام جماعي مثل المجازر التي حدثت لمن سبقونا أم يتركونا في العراء تفتك بنا مخمصة لا ترحم .

‎في هذا الوقت العصيب ظهر مقاتل صربي ملثم الوجه لا يظهر منه سوى عينيه ، والقصد من ذلك أخفاء هويته لأن الكثير من الصرب الذين شاركوا في الحرب ضدنا هم في الأصل من سكان البوسنة ممن كانوا يعيشون معنا ، حتى أني تأكدت لاحقا أن معلمي الصربي في المدرسة أنقلب علينا ورفع السلاح في نحورنا حين بدأت الحرب ، لقد عرفته من نبرة صوته بالرغم من القناع الذي يستره .

‎المقاتل الصربي الملثم صعقنا بنظراته الحارقة التي أرسلها نحو مجموعة الرجال ، بعدها أشار بيده إلى أبي أن يأتي إليه ثم أومئ إلى زملائه الجنود أنه سيتولى التخلص منه ، أي أن أبي ذهب ليلقى حتفه على يد الصربي .
‎أعترت أبي رجفة الموت ، فانقاد كالحمل الوديع إلى مصيره المحتوم .

‎أخذ الصربي أبي إلى خلف صخرة كبيرة أختفوا بها عن أعين الجميع ، وفيها سيقدم على أعدام أبي بطلقة واحدة من بندقيته .

‎حين تواجه الأثنان خلف الصخرة خلع المقاتل الصربي لثامه فانكشف وجهه تماما وظل ينظر إلى أبي بنظرات مبهمة ، كان أبي في هذه اللحظات يعد أنفاسه الأخيرة وتكاد تخنقه رائحة الموت التي بدأت تفوح حينها .
‎قال الصربي لأبي :
‎- هل تعرفني ?! .
‎أجاب أبي بعد أن تفحص ملامحه مليا :
‎- يبدو أنني لا أعرفك .. من أنت ?
‎- رد الصربي بصوت خفيض :
‎أنت رجل صالح وكريم ، تعطي الناس بلا مقابل ، تتصدق بسخاء ، يدك مبسوطة دائما . أنا أعمل في محطة وقود السيارات ، عندما تأتي إلى المحطة كنت دائما تعطيني وغيري شيئا من مالك حبا للخير ، كنت في كل مرة تضع في يدي بعض النقود ، كنت تدفع لي من المال الذي تحسبه قليلا لكن بالنسبة لي هو الشيء الكثير لأني في أمس الحاجة إليه ، لا بد أن أكافئك اليوم ، سأنقذك روحك ، سأمنحك حياة جديدة جزاء معروفك ، الآن سأطلق رصاصة في الهواء ليظن زملائي أني قتلتك ، بعدها تجري مسرعا إلى تلك السيارة الواقفة على جانب الشارع - أشار إليها بأصبعه - ثم تجلس فيها إلى أن أحضر إليك زوجتك وأطفالك ! .

‎تجمدت ملامح أبي ما بين مصدق لكلامه وبين مكيدة يحملها صربي حقود .

‎وفى الصربي بوعده ، فقد دوت صوت رصاصة طائشة نحو السماء ، بعدها انطلق أبي يعدو نحو السيارة يحمل روحه بين كفيه ناجيا من موت كان يتربص به .

‎بعد فترة قصيرة توجهت أنا وأمي وأخوتي بتدبير المقاتل الصربي إلى أبي الذي ينتظرنا في ذات السيارة التي حملتنا إلى قرية آمنة .
‎والحمدلله أن جنبنا الله المكروه .

‎بعد عدة شهور اضطررنا البقاء في مخيمات اللاجئين ، فقد أمست المدن البوسنية ساحة حرب لا تصلح للأقامة فيها .

‎فتح لي القدر بابه الحسن بأن اختارتني منظمة دولية تهتم بشؤون اللاجئين بأرسالي إلى تركيا لمواصلة دراستي النظامية ثم الجامعية . رجعت إلى البوسنة بعد تسعة سنوات وأنا أحمل شهادة هندسة زراعية ، أما أبي وأمي وأخوتي فقد نزحوا إلى ألمانيا ثم عادوا بعد أن ألقت الحرب أوزارها ، فاجتمع شملنا بعد فراق طويل .
‎والحمدلله أولا وآخرا .

🌟 🌟 🌟

‎إلى هنا انتهت حكاية المرشد البوسني ، الذي زادني يقينا أن الصدقة - الأنفاق في وجوه الخير - التبرع بالمال لمساعدة المحتاجين أو دعم الأعمال الخيرية في المجتمع ، كلها أعمال لها أجر عظيم يدخره الله لك على أشكال متعددة سواء :
‎حسنات تكتب في صحائف أعمالك - بركة في مالك - يرد عنك مصيبة ، يجلب لك خير - توفيق في طموحاتك - سعادة تلامس شغاف قلبك .

‎لا شك أن الحكمة القائلة : " صنائع المعروف تقي مصارع السوء " تلخص كل شيء .

إذن تصدقوا .. أنفقوا .. تبرعوا .. أعطوا ، ولا تستحوا من إعطى القليل فالحرمان أقل منه .




::




hgNk sH'gr vwhwm ! vwhwm



 
 توقيع : пαнεɔ
|



|


رد مع اقتباس