المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كل وطن


غصة الوريد
18-10-2017, 10:42 PM
انا اسمي أمل ... أرجوكم اقرأوا قصتي للنهاية...

( فتحت عيني ببطئ ثم تلمست رأسي بألم واستندت على يدي لأجلس ... نظرت حولي...كل شيء مشوش ، غبار ، حطام ، صراخ! ... وهناك رأيت أمي )

قصتي...ليست قصة عادية؛ قصتي ولدت من قلب الحرب!

( اقتربت منها وطبطبت على يدها محاولة إيقاظها ... فتحت عينيها ورمشت عدة مرات ، ثم أخذت دقيقتين حتى تعود الى وعيها فصرختْ:
_" أبنائي !...زوجي!! " )

لا لا .. انتظروا لحظة ، قصتي ليست ممله ... وليست لجذب عاطفتكم...انا فقط...أريد الفضفضه!

( ركضت أمي نحو الركام وانا أبكي خلفها وأصيح:
_" أمي عودي...أمي أرجوكِ ... أمــــــــــي"
لكنها لا تنصت!بدأت تحاول إبعاد الصخور المتراكمة من بيتنا الذي تحطم بسبب قنبلة مفاجئة من طائرات العدو...بينما كنت انا وأمي في الخارج وأخواي وأبي في الداخل!...بقيت أصرخ طالبة منها العودة..لكنها مصره! )

قصتي ... ليست فقط لي وحدي ؛ فأنا أروي لكم قصة شعب، أمّه ، انسانيه...

( دخلت خلفها بين الغبار وهي تنادي على أخواي وأبي ، وانا أرجوها ان تخرج...ثم وصل الى مسامعنا صوت بكاء وأنين ، ركضنا ناحية الصوت ... فوجدنا أخي (وجع) يتألم ويبكي طالبا منا اخراج قدمه من تحت الأنقاض )

واجهت الكثير من الألم والصعوبات...ذبل قلبي ، لكنني ما زلت هنا لأحدثكم عن واقعي...

( حملت وجع في حضني ... وخرجنا مع أمي نجر أذيال الحزن والألم ، إن أبي وأخي الكبير دفنا تحت الانقاض وماتا!....قلت لأمي التي لم تتوقف عن البكاء:
_"أمي ، دعينا نخرج من هنا ؛ القذائف لا تتوقف!"
استدارت لي ثم نظرت حولها الى الجيران الذين يركضون وهم يحملون ما أمكنهم من متاع نحو حدود المدينة ... فارّين من الموت! )

أتعلمون ؟ أنا أبتسم الآن وانا أكتب لكم هذا ... لكن سامحوني لو وجدتم بعض الدموع على الحروف!

( وقعت على الأرض بقوة شعرت فيها ان كل عظمي تكسر بسبب الركض، بينما احتضنت أخي بقوة وانا أحاول منع الأذى عنه ... كما نركض بسرعة مع أفواج الناس ، وأخي لا يمكنه الركض بسبب قدمه المصابة ....
توقفت امي عن الركض وعادت الينا وهي تصرخ مناجية:
_" يا الله ، ساعدنا"
ثم أمسكت يدي واسندتني اليها وقالت:
_"هيا لنكمل المسير"
***
تباطئت الخطى ، وصار الناس يستلقون على جوانب الطريق طالبين الراحة من الرمل الابيض .. وضعت أخي على الأرض بجانب أمي ثم نظرت حولي ، يبدو أن الحرب نالت من هذه المنطقة بالفعل ؛ فهي خاوية على عروشها..وبيوتها مدمره!...وهناك في مرمى نظري يقف مراسل ويتكلم أمام الكاميرا ، نظرت الى السماء فوجدت الشمس تطلق أحرّ أشعتها نحونا ... وفجأة!.. عاد صراخ الاطفال يعلو وأمهاتهم تنادي آباءهم وتصيح!...ثم بدأ الجميع يركضون مرة أخرى!...نظرت الى الطريق التي جئنا منها فرأيت سيارتين كبيرتين محملتين برجال يحملون أسلحة!
أول كلمة خطرت في بالي " ميليشيات " فتحت عيني على مصراعيهما وصحت:
_"أمي هيا...قومي، أركضي"
وقفت أمي بفزع وصرنا نركض مع بعضنا ونجر أخي الذي كان يعرج ويصرخ ألمًا خلفنا!
طائرات ، سيارات ، أحصنه....لا أعرف مدى سرعتنا من كل هذا لكننا سابقنا الريح!
وبدون سابق انذار ... وقع وجع!
لم تسمح لنا سرعتنا الهائلة ان نتوقف فبقينا نجره خلفنا حتى تمكنا من التوقف ، انتابني خوف فظيع!...خوف سيطر على كل ذرة من جسدي ، نسبة الأدرينالين فاضت عن الحد! وأنا أرى السيارتين تقتربان أكثر!
وبفعل لا ارادي ... دفعت أمي بسرعة وحملت أخي وركضت نحو البيوت المهدمة وأمي خلفي ... دخلنا إحدى الغرف المكسرة وسيطر علينا هدوء مخيف...الا من صوت انفاسنا المتهالكة ، بينما أصوات صراخ واطلاق نار تصدح في المكان ... بدأت أمي بالبكاء في صمت وجلست على الأرض وهي تغطي وجهها وأخي ألقى برأسه في حضنها وأخذ يبكي بخوف ...
لم أكن سأبكي ابدًا ، حتى لو تكرر الموقف ذاته ألف مرّة ... لن أبكي!
مرّت نصف ساعة تقريبا ونحن في مكاننا ، اختفت الاصوات تماما ، ابتسمت برضا وانا أحمد الله ثم همست لأمي:
_"أماه ، دعينا نكمل المسير"
وقفت بهدوء وامسكت يد وجع ومشت نحو الشارع وانا بجانبها ... لكن صدمنا المنظر!...رجال أغرقوا بدمائهم على الأرض ، ونساء صريعات ، يتخذن الأرض كفنًا ، وآخرون يصارعون ألم الرصاص الذي أخترف أمعائهم!
دفن وجع رأسه في عباءة أمي من الرعب .. أما أمي ... تقدمت من تلك المرأة التي تزفر آخر أنفاسا وتقول:
_"أرجوكما ، ساعدا هذا الطفل"
كان بين يديها طفل رضيع يبكي ... ما إن جلست أمي امامها حتى خرجت روحها وارتخى جسدها وأمي حملت الرضيع بسرعة وقالت بحزن:
_"دعونا نكمل المسير"
ابتسمت لها ومشيت بجانبها الى الأمام...
***
ها قد غطت أجواءنا بالظلام ، والقمر يرسل القليل كم ضوءه لنا ... البرد جعل أطرافنا زرقاء!
نظرت لأمي وقلت:
_"ماذا سنفعل بهذا الصغير الآن؟"
_"إنه أمانة ، وسأعتني بها أكثر من روحي"
ثم زادت الشد عليه ... نظرت الى وجع الذي نام مباشرة من فرط التعب ثم نظرت الى الناس الذين يستلقون على الأرض بعد أن نجوا بأعجوبة مثلنا من أولائك المسلحين وقلت:
_"يجب أن ننام يا أمي"
هزت رأسها بقلة حيلة وقالت:
_"لا يمكنني النوم"
مرت الدقائق وربما صارت ساعات ونحن نتأمل النجوم ... التفتت الى وجع الذي استيقظ وصار يلعب بقطعة خشب كانت على الارض ، نراقبه أنا وأمي بصمت ...
لكننا وقفنا بسرعة عندما جاء رجال ... يرتدون الزي العسكري .. ليس أي زي ؛ فهناك علم أزرق وأبيض بنجمة سداسية على أكتافهم !
حمل الصهيونيون أخي تحت انظارنا المرتعبة ، ثم وقفوا به أمام قاضي! .. اجل قاضي!..انهم يحاكمونه!...قال القاضي:
_"أنت تهدد أمننا بهذه الخشبة ، محكوم عليك بالموت بسبب التخطيط لعملية طعن!"
صرخت أمي من بين دموعها:
_"كاذبووون ... ابني لم يفعل شيء!"
لكنهم تجاهلوها واطلقوا النار على وجع ... فخرّ ميتًا أمام عيوننا..
***
بعد طلوع الشمس ، لملمت أمي شتات نفسها ثم حملت الرضيع ومشينا مع الناس الذين قرروا النزوح الى مدينة أخرى ...
وبينما كنا نراقب أقدامنا وهي تدوس الاسفلت الحار... سمعنا صوت تكبير .. ثم انفجار!...رفعت رأسي فرأيت أعلام سوداء ترفرف في الهواء ورجال بلحاء وشعر طويل!
جمعوا الرجال وأحرقوهم دفعة واحدة!..لطمت النساء وجوههن وملأ بكائهن مسامعي وفي لحظة شرود مني ... وضعت أمي الرضيع في حجري وقالت:
_"أركضي يا أمل ... أركضي به وأهربي!"
لم يكن مني الا أن انصاع لها وركضت ... اختبأت خلف حطام أحد البيوت وراقبتهم من بعيد ... فتحت أبواب السيارات ونزل منها كلاب على هيئة رجال وصاحوا:
_"أحضروا السبايا الى هنا!"
فهجم الباقون على النساء وسحبوهن بالقوة الى السيارات ...نظرت أمي نظرة أخيرة نحوي ونزلت دمعة من عينها ...دمعة كانت تودعنا أنا والطفل بصمت!
نظرت الى الطفل الذي ينام بسلام فابتسمت ومسحت دموعي الباردة ..
يجب أن أكون قوية وأهرب به ، أهرب به بعيدا عن براثن هؤلاء الوحوش !
وقفت بترنح ثم أكملت طريقي بين المباني المهدمة .. الى مصير لا يعلمه الا الله ..
بدأت الشمس تستقيم فوق رأسي ... شعرت أن دمي يغلي من شدة الحراره... بدأ الرضيع يبكي بأعلى صوته ويناشدني بدموعه ... نظرة حولي بحزن ... فليس معي ما أسكته به .. لا طعام لتهدئة جوعه ... ولا ماء للتخفيف من عطشه!...ليس عندي إلا ان أحتضنه وأبكي!
نظرت الى السماء وهمست:
"يا رب....ساعدني"
ما إن انزلت رأسي حتى سمعت صوت نداء!...نداء بصوت امرأة ... تبعت صوت النداء .. الى أن وصلت الى مكان ما في أطراف هذه المدينة ... يمتد على طول البصر رمال ذهبية ..انها صحراء!...نظرت الى تلك المرأة التي تنادي ... كان بيدها حقيبة صغيرة ... مدتها لي وقالت بابتسامة:
_"أنا إيمان ... خذي هذه الحقيبة ولا تجعلي الطفل يموت!"
ثم اختفت من أمامي ... فتحت الحقيبة بسرعة وأخذت منها الحليب وأرضعت هذا الطفل البريء .
نظرت الى الأصوات التي اخترقت جدار صمتي ... فرأيت حشد من الناس يمشون مع بعضهم البعض الى الصحراء ... ربما يجب أن أمشي معهم!
استنشقت بعض الهواء الملوث بدخان الحرب ثم تبعتهم ... طال مسيرنا جدا .. شعرت أننا قطعنا مساحات لا متناهية من هذه الأرض الجدباء!
كنت أحمل الطفل النائم وأشعر بحمله يزيد أكثر وأكثر كلما ابتعدنا عن المدينة .. لم أعد استطيع الوقوف على قدمي ... ماجت بي الأرض وأظلمت الدنيا...

***
استيقظت على صوت حانٍ يقول:
_"تشجعي يا صغيرة ، استفيقي"
رمشت عدة مرات ثم جلست وسألت:
_"ماذا حدث؟"
ابتسم وقال:
_"فقدتي وعيك ، لكنني شربتك الماء وبقيت الى جانبك حتى استيقظتي"
شهقت بخوف وقلت بفزع:
_"أين هو؟؟..أين الرضيع؟؟!"
هدأني وقال:
_"ها هو يلعب مع خيوط الشمس!"
وأشار الى جانبه ... حيث رأيت الطفل ينظر الى الشمس ويبتسم ... تنهدت براحة وقلت:
_"شكرا لك"
_"لا شكر على واجب"
صمتنا قليلا ثم سألت:
_"هل وصلنا؟!...كم باقي لنا أن نمشي حتى نصل الى الأمان؟"
قال بهدوء:
_"لن تنتهي هذه الطريق أبدا! ...صحراء الهروب لا تنتهي أبدا ولا تأتي بنتيجة مرضية لكم"
فكرت بكلامه قليلا ثم سألت:
_"من أنت؟؟"
استقام في جلسته وقال بثقة:
_"أنا عربيّ!...عربيّ ابن العروبة"
قلت بتفاجؤ:
_"أنت عربي؟!...لقد سمعت عنك كثيرا!"
_"أجل أظن ان اخباري منتشرة هذه الايام!"
تذكرت أمر ما وقلت بضيق:
_"سمعت أنك مصاب بمرض الارهاب!..او الطائفية!...ربما هذا اسمه؟!"
تنهد وقال بحزن:
_"أجل قالوا الكثير ، لكنني أقسم انني سليم من كل هذا!...جئت الى هنا لنوقف الحرب ؛ فليس لنا الا بعضنا"
ابتسمت وقلت:
_"أجل ليس لنا الا بعضنا...لكن كيف سنوقف الحرب؟"
تنهد وصمت قليلا ثم أشار الى رجل يقف بجانب شاحنة مساعدات ويأمرهم بتوزيع الصناديق على الناس...قال:
_"هذه هو أجنبيّ ، أنظري كيف يتصنع اللطف والعطف"
سكت وهو يرى ذلك المسمى أجنبي يبتعد عن الشاحنة ويتكلم في اللاسلكي ثم أكمل:
_"والآن هو يعطي أوامره بإرسال الطائرات لتدمير مدينة أخرى!...وقف الحرب يجب أن يبدأ من نقطتين :
الأولى أن نكون يد واحدة ... والثانية أن نعرف العدو من الصديق"
لم أتكلم وانا في كلامه ... سأل:
_"وأنتِ ما اسمك؟"
_"أنا أمل ... الأمل الذي يولد مع كل شخص"
نظر الى الطفل وقال:
_"وهو؟"
صمتت قليلا وانا أفكر ثم ابتسمت ونظرت اليه وقلت:
_"إنه وطن...وطن الذي سأفديه بروحي!"
وقف وقال:
_"إذن هيا بنا"
حملت وطن وقلت:
_"نكمل مسيرنا في صحراء الهروب؟"
_"بل نعود الى هناك .. ونقاتل .. ونموت، حتى ننقذ كل (وطن) "
_"لكن !..قد يضيع وطن مني في الحرب!"
_"اذا هربنا فلن نرتاح ... لن يكون أمامنا الا المشي دون توقف!...لن تتوقف الحرب....وسنموت دون فعل شيء! انا واثق أن وطن يريدنا ان نواجه!"
وامسك يدي وسحبني معه لنعود ... صار الناس يلحقون بنا ... حاول أجنبي إيقافنا بحجة ان هناك خطر علينا ...لكننا أبعدنا ولم نهتم ... حاولت الاسلحة والمتفجرات إيقافنا .. لكن لن يوقفنا شيء... )

أجل أنا لست بشر! ولم يكن أحد في هذه القصة (بَشَر) ...
ما زالت معركتي انا وعربي مشتعلة الى الآن للدفاع عن وطن ولا أظن انها ستنتهي الا اذا خرج الاعداء منا ... ستمتد الحرب الى مئات السنين ، لكن لا يعني انها لن تنتهي!
فقدت ذراع وساق ، لكنني لم أفقد وطن ولا عربيّ!
سلاحه ( الإسلام ) كان أقوى من كل اسلحتهم وقذائفهم ...
كانت إيمان متواجدة كلما تعبنا ، تذكرنا ان النصر سيكون معنا ؛ لأن الله معنا ..
روح وجع لم تبتعد عنا ولطالما آلمتنا لكنها زادتنا قوة ..
طيف أمي كان يشجعنا ويرسل عزم الشباب فينا ..
__________________

مُزُنْ
20-10-2017, 10:08 PM
الله المستعان
الله يعطيك العافيه ويسلم يديك دمت بحفظ الله