المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مَنْزِلَةُ الصَّبْرِ


пαнεɔ
11-12-2016, 04:25 PM
مِنْ مَنَازِلِ : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) مَنْزِلَةُ الصَّبْرِ .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : الصَّبْرُ فِي الْقُرْآنِ فِي نَحْوِ تِسْعِينَ مَوْضِعًا .

وَهُوَ وَاجِبٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ . وَهُوَ نِصْفُ الْإِيمَانِ . فَإِنَّ الْإِيمَانَ نِصْفَانِ : نِصْفُ صَبْرٍ ، وَنِصْفُ شُكْرٍ .

وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا .

الْأَوَّلُ : الْأَمْرُ بِهِ . نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) وَقَوْلِهِ : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ) . وَقَوْلُهُ : ( اصْبِرُوا وَصَابِرُوا ) وَقَوْلُهُ : ( وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ) .

الثَّانِي : النَّهْيُ عَنْ ضِدِّهِ كَقَوْلِهِ : ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ) ، وَقَوْلِهِ : ( فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ) ، فَإِنَّ تَوْلِيَةَ الْأَدْبَارِ : تَرْكٌ لِلصَّبْرِ وَالْمُصَابَرَةِ . وَقَوْلِهِ : ( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) فَإِنَّ إِبْطَالَهَا تَرْكُ الصَّبْرِ عَلَى إِتْمَامِهَا . وَقَوْلِهِ : ( وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا ) فَإِنَّ الْوَهْنَ مِنْ عَدَمِ الصَّبْرِ .

الثَّالِثُ : الثَّنَاءُ عَلَى أَهْلِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ ) الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ : [ ص: 152 ] : ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) . وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ .

الرَّابِعُ : إِيجَابُهُ سُبْحَانَهُ مَحَبَّتَهُ لَهُمْ . كَقَوْلِهِ : ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) .

الْخَامِسُ : إِيجَابُ مَعِيَّتِهِ لَهُمْ . وَهِيَ مَعِيَّةٌ خَاصَّةٌ . تَتَضَمَّنُ حِفْظَهُمْ وَنَصْرَهُمْ ، وَتَأْيِيدَهُمْ . لَيْسَتْ مَعِيَّةً عَامَّةً . وَهِيَ مَعِيَّةُ الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ . كَقَوْلِهِ : ( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) وَقَوْلِهِ : ( وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) .

السَّادِسُ : إِخْبَارُهُ بِأَنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ لِأَصْحَابِهِ . كَقَوْلِهِ : ( وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) وَقَوْلِهِ : ( وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ ) .

السَّابِعُ : إِيجَابُ الْجَزَاءِ لَهُمْ بِأَحْسَنِ أَعْمَالِهِمْ . كَقَوْلِهِ : ( وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) .

الثَّامِنُ : إِيجَابُهُ سُبْحَانَهُ الْجَزَاءَ لَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) .

التَّاسِعُ : إِطْلَاقُ الْبُشْرَى لِأَهْلِ الصَّبْرِ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) .

الْعَاشِرُ : ضَمَانُ النَّصْرِ وَالْمَدَدِ لَهُمْ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ) ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ .

الْحَادِي عَشَرَ : الْإِخْبَارُ مِنْهُ تَعَالَى بِأَنَّ أَهْلَ الصَّبْرِ هُمْ أَهْلُ الْعَزَائِمِ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) .

[ ص: 153 ] الثَّانِي عَشَرَ : الْإِخْبَارُ أَنَّهُ مَا يَلْقَى الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ وَجَزَاءَهَا وَالْحُظُوظَ الْعَظِيمَةَ إِلَّا أَهْلُ الصَّبْرِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ) ، وَقَوْلِهِ : ( وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) .

الثَّالِثَ عَشَرَ : الْإِخْبَارُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِالْآيَاتِ وَالْعِبَرِ أَهْلُ الصَّبْرِ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِمُوسَى : ( أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) ، وَقَوْلِهِ فِي أَهْلِ سَبَإٍ : ( فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) . وَقَوْلِهِ : فِي سُورَةِ الشُّورَى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) .

الرَّابِعَ عَشَرَ : الْإِخْبَارُ بِأَنَّ الْفَوْزَ الْمَطْلُوبَ الْمَحْبُوبَ ، وَالنَّجَاةَ مِنَ الْمَكْرُوهِ الْمَرْهُوبِ ، وَدُخُولَ الْجَنَّةِ ، إِنَّمَا نَالُوهُ بِالصَّبْرِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) .

الْخَامِسَ عَشَرَ : أَنَّهُ يُورِثُ صَاحِبَهُ دَرَجَةَ الْإِمَامَةِ . سَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رَوْحَهُ - يَقُولُ : بِالصَّبْرِ وَالْيَقِينِ تُنَالُ الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ . ثُمَّ تَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) .

السَّادِسَ عَشَرَ : اقْتِرَانُهُ بِمَقَامَاتِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ ، كَمَا قَرَنَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالْيَقِينِ وَبِالْإِيمَانِ ، وَالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّلِ . وَبِالشُّكْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالرَّحْمَةِ .

وَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ ، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ ، كَمَا أَنَّهُ لَا جَسَدَ لِمَنْ لَا رَأْسَ لَهُ . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : خَيْرُ عَيْشٍ أَدْرَكْنَاهُ بِالصَّبْرِ . وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ ضِيَاءٌ . وَقَالَ : مَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ [ ص: 154 ] اللَّهُ .

وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ . إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ . فَكَانَ خَيْرًا لَهُ . وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ . فَكَانَ خَيْرًا لَهُ . ‎ .

وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِي كَانَتْ تُصْرَعُ فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا : إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ . فَقَالَتْ : إِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ . فَدَعَا لَهَا .

وَأَمَرَ الْأَنْصَارَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بِأَنْ يَصْبِرُوا عَلَى الْأَثَرَةِ الَّتِي يَلْقَوْنَهَا بَعْدَهُ ، حَتَّى يَلْقَوْهُ عَلَى الْحَوْضِ .

وَأَمَرَ عِنْدَ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ بِالصَّبْرِ . وَأَمَرَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ [ ص: 155 ] عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى .

وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصَابَ بِأَنْفَعِ الْأُمُورِ لَهُ ، وَهُوَ الصَّبْرُ وَالِاحْتِسَابُ . فَإِنَّ ذَلِكَ يُخَفِّفُ مُصِيبَتَهُ ، وَيُوَفِّرُ أَجْرَهُ . وَالْجَزَعُ وَالتَّسَخُّطُ وَالتَّشَكِّي يَزِيدُ فِي الْمُصِيبَةِ ، وَيُذْهِبُ الْأَجْرَ .

وَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ كُلُّهُ ، فَقَالَ : مَا أُعْطِي أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا لَهُ وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ . .




مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين
أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ( ابن قيم الجوزية)


||

مُزُنْ
17-12-2016, 09:25 PM
جزاك الله خير ..فتح الله عليك وبارك في جهودك

براءة مشاعر
28-03-2017, 07:18 AM
جزاك الله خير