المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مَـا أفـزَعَ طـرقَـات النَّــسيم


أُنثَى فَوْضَوِيّة♥
19-12-2011, 08:23 PM
ذات ليلَـةٍ صَـيفيّـةٍ .. والنّـسيمُ يتَـلاعَبُ بأوراقِ الأشْـجَارِ فَـتتمَايَـلُ بخِفَّـةٍ يُمـنة ويُـسرَة .. تنفَصِـلُ عَـنْها بعـض أزهَـارٍ خَـفيفَةٍ بيضَـاء كأنّمَـا سعَـتْ للحُرّيـةِ.. نفَـرَتْ بعد أن ذبُـلَتْ بحُـضنِ الغُصـنِ أوْ لعَـلَّهَـا شَبِـعَتْ مِنهُ ارتِـوَاء !


تُـشبِهُ في شفافيتها قُـطنيّاتٌ مخمَـليـة.. تُوحـي كثـرَتُها بأنّـها فَـرَاشاتٌ مُتَـطايرَةٍ بانتظـام..



اختَـفتْ أصْواتُ عصـافيرٍ كانتْ تَـقِفُ على تلك الأفْـنَانِ، تطـرُقُ نافِـذَتِي كُلَّ صَبَاحٍ بتغْـرِيدِها فَـتوقِـظني.. غَـادرتْ مع ضَـوءِ النَّـهارِ تـرتَاحُ مِنْ زقزقاتٍ تُرسلها طيلة يومها.. لتُعـد ذاتـها إلى يـومٍ جَـديدٍ



وبشُرُفَـاتٍ مُـتباعِـدَةٍ تُطل بعـض أضـواءٍ أرى على نُورها تحـرُّكَاتٍ إنسانيـةٍ، تعلنُ عن وجـودِ من خَـرجَ يتلمَّـسُ أفيـاءَ الظِّلِ الـرطِبَة وما تحمِـلُه من نَسيمٍ مُشرَّبٍ برائحَة الزهـورِ التي أينَعـت بالحدائق..



رغم أني لسـتُ ممنْ يهـوونَ الجُـلوسَ بالشُـرُفَاتِ; يتَطلّـعُونَ عَبْرَ الأُفُقِ أو يتفرَّسُونَ المَّـارة.. بيد أني شَعـرتُ برغْبَـةٍ في استِـرجَاعِ شيءٍ مَـا (http://www.g-mtr.com/showthread.php?t=8246)منَ الذاكِـرَةِ .. قَـد تستحِثَّهُ هذه الصُّـور والأجْـواء .. تُعيـدُني حُـقُبـًا من الـزّمَانِ إلى الـوَراء .. لستُ أدرى ما الذي أسعى لتذكـرهِ .. ولست أدري ماذا أتمنّـى أن أسترجـع ،.. لا أراني إلا أدورُ حـول الذكـرى دورانَ الـرُحى !!


أم تـراني أهـرَبُ من الـدَّاخل إلى فَضَـاءِ الأفُـقِ .. أرحَـلُ مع خمَـائِلِ الـزُّهورِ المُتَـطايرَةِ فأتَـلَبَّسُ اسـمَ الرَّحيـلِ الـذي ارتَضَيتَـهُ مُـلازمـًا لِـذَاتي
أهـو حبُ الطبيعَـةِ الفِـطرِيّ أمْ أنّها ازديـاداتُ حُبٍ ووَلَـهٍ جعَـلتني أنظُـرُ إليها بعَينٍ أخْـرَى بعـدَ أنْ بَـاتَ لي بينـها ذكْـرى وكانت قَـبلها إلفَـًا واعتيـاداً !


تناقضاتٌ شعـوريةٌ تجتذبُـنِي في هـذه الإطلالـةِ .. أشعُـرُ كأنّـي لستُ على طَبيعَـتِي التّي ألفْتُـها أو لعـلي افتقـدتها !!
سارعتُ بالعـودةِ أدراجـي كأنّـي أهْـرَبُ من الذكـرَى وما بـدَأتْ تَجُـرهُ عليّ من أفْكَارٍ وشُخُـوص .. أو أهـرَبُ من مُستَـجَدٍ آتٍ للـرُوح .. أغلِـقُ نافِـذَتي على أمَـلٍ ألا يطـرُقَ النَّسيمُ شِـرَاعَـها ..
فَـمَا أفْـزَعَ طَـرَقَاتِ النّسيـمِ في عُـمقِ الـوِحْدَةِ.. حيثُ تـرتَـسِمُ لكَ كَـمَارِدٍ يوشِكُ أنْ ينقَـضَّ عَـليكَ إنْ استجبتَ للطـرقَاتِ وفتحتَ لـه الشـراع ..


طفقـتُ أجمَـعُ عليّ بعضِـي وألملِـمُ ما تَبَقّـى من شَـتَاتٍ .. أوقِـظُ نواعس القـلوبِ لتعُـودَ إلى سَـابقِ عهـدِهَا والهُـدوء .. فتعـودَ ارتعَـادَاتُ الفُـؤَادِ تنبِضُ خَـوفَـًا مُسْـتَديمَـًا
آهـٍ مـا أفْـزَعَ طَـرقاتِ النسيم حينَ تطـرق جـدار القلـبِ .. وما أقسَـاهَا حينَ لا تجِـدُ منَ الآمَـانِ بقَـايَا مُـلتَاعةٍ تفتَـحُ لـهَا الشِّـراع !!



حَـدَتْ بي رغبَـةُ الاختِـفَاءِ والهُرُوبِ والشُّعُـورِ بالألَـم إلى أنْ أستَـكينَ أسـفلِ مَـكتبـي
لا أعلاه .. أجلسُ هنـاكَ مختبئة .. أستشعِـرُ بتلكَ الضيقة أسفلـه حيـاة أشبَـهَ بالقُبـور،
فأسترجِـعُ ذاتَ الذّكريَـاتِ .. وأعِـيدُ أمنيـاتِ الهُـروبِ .. وهيهـات !



لفحَـةُ حنين تَمُـرُ بمخيّـلَتِي تفتح الشِـرَاع لأحبابٍ ولّـوا وما ولّتْ أماكنَهُم بالسُويـداءِ.. لكنّها حظَـتْ بمكانٍ بعيـدٍ عن الشـاطئ لتستكين بعُـمقِ بحـرِ الذكريَـات وتتباعَـدُ عن النظر .. لا تطفـو إلى الأفُـقِ إلا بعضَ أحايين.. بعـدَ أنْ جَرَتْ سُنّةُ الحياة بالفِـرَاقِ .. وبَـاتَ الشَّـوقُ لهُـمْ أغَـاريدَ صمتٍ تجُـوبُ بالنّـفس مُطبـَقَةُ الشـفاه ..



ما أجمَـلَ أن أذكـرهم بتلكَ الوجـوهِ التي تعْـلُوهَا البَـسمَة .. فمَا أجمَـلَ نِسيان وخَزَاتِ الألَـمِ الطبيعيـةِ بينَـكَ وبينَ كُـلِّ إنســان ..
لا زلتُ أذكـرهم رغـمَ البِعَـادِ وأذكُـرُ أيّـامَـًا ولّتْ بجَمِيـلِ الذكريات .. نهلت معهم طفولتي والشباب ..
فمن " أروى " وطفولتها البريئـة اسم لا يغـادرنـي، يجـوب داخلي ويحِـن .. لازلت أذكرك " ريـم " وللمرة الأولى أستشعِـرُ رحيلي عَنْك بعدَ رحيلي للوطن ..
تكالبتْ الأسمَـاءُ على الذاكـرَة .. وما بين فاطـمة ووفـاء وجهـانِ لـذاتِ الحُـبِّ والشّـوقِ والحَنيـنِ اللامنتهـي ..



ما أجمـلَ الذكـرَى الصّامِتَـة لـم أدرِ أنّـهَا قَـدْ تفُـوقُ جَـمالَ الـواقِع ورَوعةِ الخَـيال.. ما أجمـل أن تضـمرَ فيها الألمَ فيرقَـأُ مُـغَادرًا، لتبـقى الذكريـات خالصَـةً منْ شَـوائِبِ الهّـمِ والغَّـمِ والآلام.



لستُ أدري لِـمَ هذه الدمعـاتُ تهربُ من مقلتَـيّ رغـمَ تكبيـلي لها .. ولسـتُ أدري لِـمَ تئِـنُ الـروحُ وتنْسَـابُ عِـشقَـًا لـذاكَ الامتِـدَادِ البَـعيد والظّـلامِ..
ألا تشعُـرُ الأرواحُ في الملكـوتِ ببعضها البعـض فتـأنَـسْ ! أوَ لا تسعَـدُ بما يسعَـدُ بها غيـرها وتفـرح !! أوَ لا تتجلى مكاشفاتُ الحقِ الدائم ولا يعَـرِفُ الزّيفَ لهم طريقَـًا !!!
كم أتوق لتلك الفرحـة التي ستتأتـي إذ فَـرِحَ من حولي..


أجمِـلْ بهِ مكـانَـًا ومُستقَـرًّا إذا ما كان بعـدَ فنـاءٍ بمعتقَـدِ الإيمَـان ..
هناك .. ورغم وحشَـةِ الليـلِ الكَئيبِ لا يَكُـنْ لتلكَ الأرواحِ إلاّ السّعَـادَة والنّعيـم
آهـٍ ما أفـزعَ طرقَـاتِ الحنين على جِـدارِ القلـبِ !!
صبـرًا أنا حتى الرحِـيل .. صبـرا حتى يأتيكِ انعتـاقٌ فيُعلَـنَ ميـلاد جديـد


أتلفت بملء الخـوف حولـي.. انتحـر الليل وأشرق ضـوء النهـار ..
أنفض عن جناحيّ سـوادَ ظـلامٍ أوغـرَ فيـه فيتساقطُ كأنّـمَا أشلاء .. أستبشِـُر نَدَى النُّـورِ يُـبَلِّلُ لَواحِـظَ العينِ حتى تستفيض فتمتلئ حيـاة..

أعَـاودُ الـدَّورانَ .. ثم أرجـعُ أستكيـن ..

juman96
20-12-2011, 12:36 PM
اختيار ولا اجمل كعادتك
دمتِ ودام ابداعك
شكراً لكِ عَزيزتي.♥

أُنثَى فَوْضَوِيّة♥
20-12-2011, 07:59 PM
جزآكم الله خير عَ المرور
لاحرمكم ربي جنته
تحيتي

ام راشد
11-02-2012, 02:23 AM
http://www.nawasreh.com/welcome/up/11874673916518.gif